كيفية انقباض وانبساط العضلات يشكّل الجهاز العضلي أحد أهم الأنظمة الحيوية التي تتحكم في كل حركة نقوم بها، سواء كانت حركة كبيرة كالركض أو حركة دقيقة كالكتابة. ويضم هذا الجهاز ما يزيد عن 600 عضلة تعمل بتناغم مدهش ليتمكّن الإنسان من القيام بأنشطته اليومية.
أهم ما يميز هذا النسيج الحيوي هو قدرته على الانقباض والانبساط، وهي العملية الأساسية التي تسمح للعضلات بإنتاج الحركة والقوة. لكن كيف تحدث هذه العملية فعليًا داخل الألياف العضلية؟ وكيف تتفاعل البروتينات والجهاز العصبي معًا لتحقيق هذه الدقة؟ هذا ما سنشرحه في هذا المقال المتخصص.

ما الذي يجعل العضلات قادرة على الحركة؟
تتكون العضلات من ألياف طويلة تحتوي على بروتينات متخصصة، أهمها:
-
الأكتين (Actin)
-
الميوسين (Myosin)
وهذان البروتينان هما العنصران الرئيسيان المسؤولان عن آلية الانقباض. لكن وجودهما وحده لا يكفي، إذ يحتاجان إلى الكالسيوم والطاقة (ATP) وإشارات عصبية دقيقة ليحدث الانقباض. العملية تشبه “سحب الحبال” بين الأكتين والميوسين في حركة منسقة تجعل الألياف تقصر أو تسترخي.
أولًا: كيفية انقباض العضلات
يعد انقباض العضلات عملية دقيقة ومعقدة، لكنها تحدث بسرعة هائلة دون أن يشعر الإنسان بتفاصيلها. ويمكن تلخيصها في سلسلة خطوات متتابعة:
1. وصول الإشارة العصبية
تبدأ العملية دائمًا من الدماغ أو النخاع الشوكي، حيث تنطلق إشارة كهربائية تصل إلى نقطة الاتصال بين العصب والعضلة، وتسمى التقاطع العصبي العضلي.
2. إفراز الناقل العصبي أسيتيل كولين
عند وصول الإشارة، تطلق النهايات العصبية مادة الأستيل كولين (Acetylcholine)، وهي المسؤولة عن تحفيز غشاء العضلة وفتح قنوات تسمح بدخول أيونات الصوديوم التي تغيّر الشحنة الكهربائية داخل الألياف العضلية.
3. خروج الكالسيوم من الشبكة الساركوبلازمية
التغير الكهربائي يجعل العضلة تطلق أيونات الكالسيوم المخزّنة. ويعد هذا الكالسيوم هو “مفتاح التشغيل” الذي يسمح ببدء الانقباض.
4. ارتباط الكالسيوم ببروتين التروبونين
يرتبط الكالسيوم بـ التروبونين (Troponin)، مما يؤدي إلى تحريك التروبوميوسين (Tropomyosin) الذي كان يمنع الميوسين من الارتباط بالأكتين. بمجرد إزاحته، يصبح الطريق مفتوحًا لبدء الانقباض.
5. تكوّن الجسور العرضية وبدء الانقباض
عند ارتباط رؤوس الميوسين بخيوط الأكتين تتشكل ما يسمى الجسور العرضية (Cross Bridges)، وتبدأ رؤوس الميوسين في سحب خيوط الأكتين نحو الداخل، مما يجعل الليف العضلي يقصر وينقبض.
6. توفير الطاقة عبر ATP
لا يمكن لأي خطوة من الخطوات السابقة أن تتم من دون وجود طاقة (ATP). هذا الجزيء هو الوقود الأساسي الذي يسمح لرؤوس الميوسين بالتحرك والعودة لوضعها الأصلي لإكمال الدورة مرة أخرى.
ثانيًا: كيفية انبساط العضلات
لحدوث حركة سليمة، لا يكفي أن تنقبض العضلات فقط، بل يجب أن تستطيع الانبساط أيضًا. والانبساط هو عملية منظمة تسمح للعضلة بالعودة لطولها الطبيعي.
العملية تتم بالشكل التالي:
1. إيقاف تأثير الأستيل كولين
يقوم إنزيم الكولين إستريز (Cholinesterase) بتكسير الأستيل كولين المتبقي، مما يوقف الإشارات العصبية.
2. إغلاق قنوات الكالسيوم
بمجرد توقف الإشارة، تتوقف العضلة عن إطلاق الكالسيوم، وتبدأ بإعادته داخل الشبكة الساركوبلازمية.
3. عودة التروبوميوسين لمكانه
عندما ينخفض تركيز الكالسيوم، يعود التروبوميوسين ليغطي مواقع الارتباط على الأكتين، مما يمنع الميوسين من التشبث به.
4. ارتخاء الألياف العضلية
مع توقف الجسور العرضية، تفقد العضلة توترها وتعود إلى وضعها الأصلي، وهكذا تحدث حركة الانبساط.

أنواع العضلات ودورها في الانقباض والانبساط
تعمل جميع العضلات عبر نفس المبدأ لكن بدرجات مختلفة:
1. العضلات الهيكلية
هي المسؤولة عن الحركة الإرادية، مثل المشي والرفع.
انقباضها سريع ومباشر، وهي أكثر الأنواع قابلية للتطوير عبر التدريب.
2. العضلات الملساء
توجد في الأوعية الدموية والجهاز الهضمي.
انقباضها بطيء وتلقائي، وتعمل ليلًا ونهارًا دون تدخل الإرادة.
3. عضلة القلب
تنقبض بشكل منتظم طوال الحياة، وهي الأكثر قدرة على إنتاج الطاقة.
اقرأ ايضاً : أنواع العضلات ووظيفتها
وظائف العضلات في الجسم
العضلات ليست مجرد وسيلة للحركة، بل لها وظائف حيوية متعددة:
-
الحركة والتنقل
-
استقرار المفاصل
-
ضخ الدم (عضلة القلب)
-
التنفس (الحجاب الحاجز)
-
الهضم (العضلات الملساء)
-
التبول وضبط المثانة
-
الولادة عبر انقباضات عضل الرحم
-
تحريك العين والحفاظ على الرؤية
-
تنظيم الحرارة حيث تنتج العضلات 85% من حرارة الجسم
خلاصة
إن فهم كيفية انقباض وانبساط العضلات يمنح صورة واضحة عن مدى التعقيد والذكاء في التصميم البيولوجي للجسم. فكل حركة، مهما بدت صغيرة، تعتمد على تفاعل متقن بين الجهاز العصبي، والبروتينات العضلية، والهرمونات، والطاقة الحيوية. وكلما كانت العضلات مدعومة بالغذاء الصحيح والحركة اليومية، زادت كفاءتها وقدرتها على العمل لسنوات طويلة.


